كيف يمكن أن يحسن الذكاء الاصطناعي تجربة التشخيص الأولي لكوفيد المستجد
كلوي براون وأخرون، جامعة كامبريدج، المملكة المتحدة.
Brown, Chloë, et al. "Exploring Automatic Diagnosis of COVID-19 from Crowdsourced Respiratory Sound Data." KDD '20: Proceedings of the 26th ACM SIGKDD International Conference on Knowledge Discovery & Data Mining, August 2020, Pages 3474–3484 https://doi.org/10.1145/3394486.3412865. link

تقديم منظور
لا تبدو فكرة إجراء المسحة الطبية لكوفيد المستجد مريحة على الإطلاق، حيث يتم إدخال ما يشبه عود الأذن الطويل عن طريق الأنف (أو الفم)، ومن الغشاء المخاطي وصولا إلى سقف الحلق. كما يستغرق تحليل المسحة وقتا ليس بالقصير حتى تظهر النتيجة. في هذا المقال من منظور، نستعرض بحثاً قيماً نشر حديثاَ من فريق بحثي بجامعة كامبريدج البريطانية، والذى يقترح وسيلة جديدة و سريعة للتشخيص الأولي للإصابة بفيروس كورونا المستجد، عن طريق تحليل صوت السعال والتنفس للمصاب. لجمع البيانات اللازمة، قام الباحثون باعتماد طريقة حشد المصادر crowdsourcing لجمع عينات من آلاف من المستخدمين من جميع أنحاء العالم، المصابين والغير مصابين، وذلك عن طريق تطبيق هاتف ذكي. يقوم التطبيق بجمع الأعراض ومعلومات التاريخ الطبي ويطلب من المستخدمين كل يومين تسجيل صوت سعالهم وتنفسهم وكذلك قراءة جملة معروضة على الشاشة. قام الباحثون بعد ذلك بتنظيف هذه البيانات واستخدامها لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ بإصابة كوفيد المستجد دون الحاجة إلى إجراء الاختبار التقليدي (مسحة أو دم)، وذلك بالاعتماد فقط على صوت السعال والتنفس. النتائج، وإن كانت أولية، فهي واعدة إذ تمكنت النماذج المطورة من تمييز صوت تنفس وسعال المصابين بالمرض بسرعة وكفاءة. مع جمع المزيد من البيانات سيتمكن الباحثون من تطوير نماذج أكثر كفاءة قد تستبدل مستقبلاً المسحة الطبية في الفحص الأولي لكوفيد المستجد.

الخريطة الذهنية للمقال (غرِّد)
المقدمة
“Your voice is a very powerful weapon. When you are in tune with the cosmic breath of heaven and earth, your voice produces true sounds” Morihei Ueshiba
الصوت البشري معجزة من معجزات خلق الله. تتغنى الأدبيات ويشهد التاريخ على قوة هذا الصوت وقدرته على خلق التغيير وخلق الحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي. تقول ملالا يوسفزي:
“When the whole world is silent, even one voice becomes powerful.”
فسيولوجياً، يتجلى عجيب صنع الله في الكيفية التي يصدر بها الجسم البشري هذه الأصوات، حيث تتناغم الأعضاء مع بعضها البعض في تنسيق مذهل حتى تصدر هذه الأصوات. الصوت في الحقيقة تيار هوائي يصدر من الرئتين ثم يمر عبر الجهاز الصوتي الذي يضفي لمساته ليشكل الصوت الذي تسمعه الأذن البشرية (شاهد الفيديو).
فيديو : تناغم أعضاء الجهاز الصوتي عند الكلام
فيزيائياً، الصوت هو اهتزاز ينتقل على شكل موجة جيبية sinusoidal waves تنتقل في الهواء والماء والجماد، له خصائصه المميزة كالتردد والشدة والسرعة والاتجاه. هل سبق وأن رأيت الصوت؟ شاهد الفيديو التالي:
فيديو : الموجات الصوتية مسجمةً
طبياً، يتم اعتبار الأصوات التي يولدها جسم الإنسان كمؤشرات مرتبطة بالأمراض و ويشمل ذلك أصوات التنهدات والتنفس ونبضات القلب، وكذلك، أصوات الجهاز الهضمي وأصوات الاهتزازات، وأخيراً، الأصوات الصادرة من الجهاز الصوتي. حتى وقت قريب، كانت هذه الأصوات تُجمع باستخدام السماعات اليدوية أثناء المواعيد الطبية المجدولة. أما الآن، فتستخدم التكنولوجيا الرقمية لجمع الأصوات التي يصدرها جسم الإنسان مما يزيد من القدرة على التحليل التلقائي لبيانات الأصوات. على سبيل المثال، ساعدت السماعات الرقمية التي طورها Littmann و Thinklab في اكتشاف الربو والصفير - شاهد الفيديو:
فيديو : السماعات الرقمية
قام الباحثون أيضًا بتجربة استخدام الصوت البشري في التشخيص المبكر لمجموعة متنوعة من الأمراض. مثلاً، هناك ارتباط وثيق مثبت علمياً بين مرض باركنسون وزيادة درجة النعومة في الصوت (Softness) والتي يزيد ارتفاعها في المرضى المصابين بالمرض بسبب ضعف التنسيق بين العضلات الصوتية المتأثرة بالمرض. كذلك، يمكن اكتشاف مرض الشريان التاجي من خلال تحليل تردد الصوت (Frequency) حيث أن تصلب الشرايين قد يؤثر على إنتاج الصوت. كذلك، الإصابات غير المرئية كاضطراب ما بعد الصدمة وإصابات الدماغ الرضحية والاضطرابات النفسية يمكن اكتشافها من خلال الصوت حيث يرتبط حدوثها بالتغيرات في نغمة (Tone) ونبرة (Pitch) و إيقاع (Rhythm) وسرعة (Rate) وقوة (Volume) الصوت البشري.
وبالتالي يمكن اعتبار الصوت البشرى مؤشراً حيويا لأمراض مختلفة والذي بدوره يوفر إمكانات هائلة وغير مكلفة للتشخيص المبكر. أضف إلى ذلك، من الممكن أن يؤدي تحليل الصوت إلى تحسين تجربة المريض حيث يصبح من الممكن إجراء التشخيص وتمكين متابعة المريض بسبل أقل ازعاجاً أو ألما.
في الآونة الأخيرة، و مع انتشار مرض كوفيد المستجد، بدأ الباحثون باستكشاف ما إذا كان يمكن تشخيص أصوات الجهاز التنفسي لمرضى كوفيد كوسيلة لدعم أو ربما استبدال الطرق التقليدية في التشخيص والتي تتضمن إدخال ما يشبه عود الأذن الطويل عن طريق الأنف (أو الفم)، ومن الغشاء المخاطي وصولا إلى سقف الحلق. فضلا عن كونها تجربة غير مريحة، فإنها كذلك تستغرق وقتا لا يقل عن ٨ ساعات حتى تظهر النتيجة. تعتبر أصوات الجهاز التنفسي مرشحاً مثالياً لاعتمادها في التشخيص بسبب وجود بعض الأدلة العملية التي تدعم ذلك . مثلاً، وُجِد أن بيانات السماعات الرقمية التي تم جمعها من فحص الرئة وكذلك التغييرات في الأنماط الصوتية يمكن أن تساهم في اكتشاف الإصابة بمرض كوفيد المستجد، كما أن تحليل الكلام للمرضى المصابين يمكن أن يساهم بشكل كبير في تحديد شدة المرض ونوعية النوم و مستوى الإعياء ودرجة القلق للمريض المصاب. مع توافر هذه الأدلة الأولية على القدرات التشخيصية لأصوات الجهاز التنفسي، وخاصة السعال، أصبح لازما البحث عن الإجابة للسؤال التالي:
هل يمكن أن تميز الآلة الأصوات التنفسية (صوت النَفَس والكحة) التي يصدرها المصابين بكوفيد المستجد عن تلك التي يصدرها مرضى الأمراض التنفسية الأخرى كالربو؟
قام مجموعة الباحثين من جامعة كامبريدج في بريطانيا بالإجابة عن هذا السؤال عبر إجراء هذا البحث القيم والذي تدور المقالة حوله. أول خطوة خطاها الباحثون في سبيل الوصول لإجابة هي جمع البيانات الكافية للتحقق ما إذا كانت أنماط التنفس وخصائص الصوت والسعال يمكن أن تساعد في التشخيص. لتحقيق ذلك، قام الباحثون بجمع الأصوات التنفسية من آلاف المستخدمين عبر اتباع منهجية حشد المصادر crowdsourcing، حيث قاموا بتطوير موقع متخصص وتطبيقي iOS و Android لجمع العينات الصوتية من ٦٦١٣ مشارك.

خلال جمع البيانات، قام المشاركون أولاً بإدخال الأعراض (إن وجدت) وبعد ذلك تسجيل أصوات الجهاز التنفسي حيث يطلب منهم السعال ثلاث مرات والتنفس بعمق من ثلاث إلى خمس مرات، ثم قراءة جملة قصيرة تظهر على الشاشة ثلاث مرات. وأخيراً، طلب من المشاركين الإفصاح عن نتيجة المسحة الطبية لفايروس كورونا المستجد في حال قيامهم بها .
عند التحليل، قام الباحثون بالتركيز على العينات التي أكدت اصابتها بالمرض، حيث انتهوا بعد تنظيفها إلى ١٤١ عينة صوتية للسعال والتنفس. كما شكل الباحثون مجموعات تحكم control groups تقسم المشاركين إلى ثلاث مجموعات. المجموعة الأولى تحتوي على المشاركين من البلدان التي لم يكن المرض فيها منتشرا وقت جمع العينة كألبانيا، بلغاريا، قبرص، اليونان، الأردن، لبنان، سريلانكا، تونس وفيتنام، والذين لم يفصحوا عن أي أعراض طبية وقت تسجيل العينة، وتم تسمية هذه المجموعة ب Non-Covid (أي المجموعة السليمة من الإصابة بكوفيد*. أما المجموعة الثانية (non-COVID with cough) فتشمل المشاركين القادمين من نفس البلدان التي سبق ذكرها ولكنهم أفصحوا عن وجود أعراض للسعال. المجموعة الثالثة والأخيرة (asthma with cough) هي مجموعة المشاركين ممن أفصحوا عن وجود أعراض للسعال والإصابة بمرض الربو ولكنهم غير مصابين بالمرض .
لتحليل البيانات، يحتاج الباحثون إلى استخلاص خصائص تصف المقاطع الصوتية التي تم جمعها. المجموعة الأولى من الخصائص التي تم اعتمادها هي Handcrafted Features أي مجموعة الخصائص التي تم استخلاصها بشكل مباشر من العينات الصوتية وتشمل:
١. مدة الكحة والنَفَس (Duration)
٢. عدد القمم التي شكلها منحنى حدة الصوت في المقطع والتي تشير للتغير في نغمة الصوت (pitch onsets)
٣. سرعة الإيقاع أي معدل النبضات التي تحدث في فترات زمنية منتظمة في الصوت (Tempo)
٤. التردد الرئيس لمغلف للصوت (period)
٥. طاقة الصوت والتي يتم حسابها من تحويل فورييه (fourier transform) للإشارة الصوتية (RMS Energy)
٦. المركز الوسطي الطيفي والذي يقيس عادة سطوع الصوت - درجة حدة الصوت- (Spectral Centroid)
٧. التردد المتوسط (Roll-off Frequency)
٨. معاملات Mel-Frequency Cepstral Coefficients وهي أكثر طرق استخراج السمات الصوتية استخداما، حيث تعتمد هذه الطريقة على التحليل الطيفي للصوت (مرجع ممتاز باللغة العربية).
مجموعة الخصائص الأخرى التي اعتمدتها الباحثون تم استخلاصها باستخدام تقنية نقل التعلم Transfer Learning حيث تم استخدام نموذج vggish المدرب على قاعدة بيانات صوتية ضخمة من جوجل وتحديدا من يوتيوب لتحويل العينات الصوتية للسعال والتنفس إلى embeddings يتم تمريرها لاحقا الى مصنف استخلاص الخواص المميزة لهذا الصوت.
توضح الصورة الخطوات التي اعتمدها الباحثون في بناء نماذج الذكاء الاصطناعي (المصنفات). من الجدير بالذكر أن الباحثين استخدموا مصنفات ثنائية مثل الانحدار اللوجستي (LR) ، وأشجار التعزيز الاشتقاقي (Gradient Boosting Trees) , وآلة المتجهات الداعمة (SVMs).

النتائج
النتائج الأولية كانت واعدة جدا! حتى أبسط المصنفات تعقيدا كانت قادرة على التفريق بين صوت السعال الذي يصدره المصاب بكوفيد المستجد من ذلك الذي يصدره الشخص الغير مصاب، وكذلك صوت سعال مريض كوفيد المستجد وسعال من يعاني من الربو.

من النتائج المثيرة للاهتمام تحديد أهم الأعراض المرتبطة بالمرض بناء على إجابات من كان فحصهم إيجابيا كما يظهر في الصورة : السعال كان العرض الأقوى، أما فقدان الشم والتذوق فيأتي مرتبطاً بأعراض أخرى كصعوبة التنفس والتهاب الحلق (انظر الصورة)

قام الباحثون كذلك بمشاركة جزء من البيانات الصوتية للسعال والتنفس والتي تم تجميعها منذ بداية انتشار المرض إلى ٢٢ مايو. تشمل قاعدة البيانات ٤٥٩ عينة صوتية لسعال وتنفس تم تجميعها من ٣٧٨ مستخدم، منها ١٤١ عينة تم تجميعها من مصابين. يمكنكم الحصول على قاعدة البيانات عبر مراسلة الفريق البحثي.

أماً محلياً، فيقوم مركز سيادة (مركز الابتكار والتطوير في الذكاء الإصطناعي بجامعة أم القرى) بإجراء بحث ممول مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست) لتشخيص الإصابة بكوفيد المستجد من خلال صوت سعال المصاب، حيث تم تجميع الأصوات من خلال هذا الموقع. وقد اعتمد الفريق البحثي في سيادة على منهجية مقاربة لتلك التي اعتمدها باحثي كامبريدج إلا أنهم أضافوا إليها بعض الخصائص الصورية لبناء نماذج الذكاء الاصطناعي المشخصة للمرض، وقد اُستخدمت منصة أوراكل السحابية (Oracle Cloud) كبيئة تقنية للنمذجة والاختبار. وتعتبر سيادة في ذلك أول جهة سعودية تتعامل مع هذه المنصة، ووفقاً للفريق البحثي، فإن النتائج الأولية محفزة جدا حيث تمكنت النماذج من تمييز سعال مريض كوفيد المستجد بنسبة ٨٥٪. ومن جهة أخرى، تقوم جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل أيضاً بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا (كاسكت) لتطوير أداة اختبار فيروس كورونا المستجد عن بُعد للتسهيل على الأفراد عمل الاختبار في المنزل حيث تقوم بجمع العينات الصوتية هنا . نتطلع في منظور لرؤية هذه النتائج البحثية على أرض الواقع في المحطات الكبرى لمراكز "تأكد" و في تطبيقات وزارة الصحة كتطبيق صحة. (كل الشكر والتقدير للدكتورة سارة الشريف من الفريق البحثي لسيادة على مشاركتها تفاصيل العمل البحثي)
مادمت هنا، لما لا تقرأ : كيف تمت الاستفادة من علم البيانات لمواجهة فيروس كورونا (Covid-19): مراجعة شاملة.