top of page

بنات الرجال

كيف يمكن للتقنية أن تساند النساء السعوديات المعنفات


 

حوراء الربعان و آخرون. جامعة إنديانا - جامعة بوردو إنديانابوليس.


 

Daughters of Men: Saudi Women’s Sociotechnical Agency Practices in Addressing Domestic Abuse. Hawra Rabaan, Lynn Dombrowski, Alyson L Young. Proceedings of the ACM conference on computer-supported cooperative work and social computing.CSCW (2020).

 
 

تقديم منظور


شهدت قضايا العنف الأسرى في السعودية زيادة ملحوظة خلال العام الحالي بنسبة ٢٣% مقارنة بالعام المنصرم منها ٢٦٦ قضية عنف زوجي فضلًا عن قضايا العنف ضد الأطفال (المرجع). في هذا المقال، اخترنا بحثاً حديث النشر في مجال الحوسبة الاجتماعية والذي يدرس حالة النسوة السعوديات اللاتي تعرضن للعنف الأسري و يسلط الضوء على دور التقنية في تحسين أسلوب حياتهن والتخفيف من معاناتهن. حصل البحث على شارة شرفية "honorable mention" من قبل المؤتمر العالمي CSCW2020 لجودة البحث ومخرجاته. في السياق السعودي، يقدم البحث معرفة قيمة جدا في مجال علم اجتماع العنف الأسري، وفي تصميم التقنيات المساندة والتي يمكن أن ترعاها الجهات ذات العلاقة كوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وكذلك رواد الأعمال الاجتماعيين.

 
 

يعتبر العنف ضد المرأة مشكلة عالمية، حيث وفقًا للأمم المتحدة، تعرضت ثلث نساء العالم في مرحلة ما من حياتهن للعنف. للعنف المنزلي عواقب وخيمة وضارة على النساء حيث يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية جسدية ونفسية وعقلية للضحايا الناجيات . في المقابل، تُظهر الأبحاث أن التدخلات المبكرة جنبًا إلى جنب مع التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة ، والتعليم التشاركي ، وتطبيق القانون يقلل إلى حد كبير من حالات العنف المنزلي. درس الباحثون في مجال التفاعل الانساني مع الالة دور التقنية في دعم الناجيات من العنف الأسري حيث وُجد أنه يمكن للتقنية أن توفر دعمًا اقتصاديًا واجتماعيًا، وتساعد في تعافي الناجيات من العنف المنزلي.



في هذا البحث، قامت حوراء الربعان وآخرون بعمل دراسة وفهم لسلوك المرأة السعودية تجاه العنف الأسري ودور التقنية في تشكيل هذا السلوك. تم التركيز في هذا البحث على تعريف المرأة السعودية لماهية العنف الأسري، وكيفية تعاملها مع العنف إن وقع، وما هي مساعيها نحو البحث لمستقبل أفضل بعيداً عن إساءات المعنف. تفيد هذه المعرفة في اقتراح اعتبارات تصميم لتقنية مساندة تساهم في تمكين المرأة المعنفة ونشر الوعي الاجتماعي حول القيم الأساسية التي تهم المرأة السعودية والتي من المحتمل أن تمتد إلى سياقات اجتماعية وثقافية مماثلة مثل المجتمعات الإسلامية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط. كما يهدف البحث الى تسليط الضوء على تعقيد الموقف من خلال تشجيع المصممين ومطوري التقنية على التركيز على الأبعاد الثقافية للمشكلة، والنظر في التطورات التاريخية، وقبول واحترام الخيارات المختلفة التي تتخذها المعنفات مع فهم سبب قيامهم بها.



اختارت الباحثة حوراء الربعان اسماً مميزاً لهذا البحث، ألا وهو "بنات الرجال"، وهو مصطلح عربي يثني على النساء اللواتي يظهرن صفات مرتبطة تقليديًا بالرجال (مثل الشجاعة والشرف). وفي نفس الوقت، غالبًا ما يعيق هذا اللقب الشرفي مقاومة العنف الأسري لأنه قد يتم تجريد المرأة من ألقابها المشرفة إذا أساءت إلى سمعة أو شرف زوجها أو عائلتها أو قبيلتها من خلال التحدث علنًا ضد العنف.



أجرى الفريق البحثي مقابلات مع 17 امرأة سعودية حول مخاوفهن من العنف الأسري. طُلب من المشاركات الحديث عن تجاربهم، أو تجارب لأمرأة معنفة يعرفونها، لمناقشة كيفية تعاملهن مع مخاوف العنف الأسري مثل حالات الانتهاك الاقتصادي ( مثل إعاقة التعليم وفرص العمل) ، والسلامة ، والفرار من الأسر المعنِفة ، وأخيراً ، العنف الجسدي. كما سُئلت المشاركات كذلك عن تجاربهن كنساء في العالم العربي ، و مخاوفهن المتعلقة بالسلامة المنزلية المختلفة وكيف تعاملوا معها، ودور التقنية في الاستجابة لتلك المخاوف، وتطلعاتهن إلى بيئة مثالية للمرأة.



تشير النتائج إلى اختلاف مفاهيم العنف الأسري بين المشاركات. بعضهن رأين أن المطالب التعسفية من الزوج تندرج تحت العنف الأسري، و بعضهن اكتفى بتسمية العنف الأسري لكل فعل يترك اذى جسدي واضح. وكانت هناك كذلك فئة المشاركات اللاتي شرّعن العنف الأسري كحق الرجل في تأديب المرأة و "حمايتها". و بسبب العوامل الثقافية والاجتماعية في السياق السعودي، تواجه المعنفات تكلفة عالية عند مقاومة العنف الأسري والذي يحدده دعم أسرتها في مواجهة العنف.



استخلص الباحثون من خلال هذه المقابلات، ثلاثة قيم أساسية تعتنقها المعنفات السعوديات، الا وهي: قيم دينية، قيم اجتماعية، والصبر والقدرة على التحمل. والتي منها، استمد الباحثون اقتراحات لتصميم التقنية المساندة لهذه الفئة.



القيم الدينية


حاول صانعو التقنية معالجة العنف المنزلي من خلال مواقع الويب وتطبيقات الهاتف المحمول الآمنة. على الرغم من أنها توفر ميزات مفيدة مثل المحتوى التعليمي والتثقيفي وخطوط المساعدة إلا أنها لم تثبت مناسبتها في السياق السعودي، لأن المحتوى الإعلامي الغربي غالبًا لا يضع في عين الاعتبار الالتزام الديني كقيمة مؤثرة في حياة المعنفات. وللتغلب على هذه الفجوة، يوصي الباحثون ببناء مواقع وتطبيقات مساندة لضحايا العنف الأسرى بالتعاون مع المنظمات الدينية المتخصصة لصناعة محتوى مرئي ومسموع ونصي يركز على شرح الحقوق والمسؤوليات داخل عدسة إسلامية توضح للجنسين الحقوق والواجبات (على سبيل المثال ، بموجب الشريعة الإسلامية ، لا يتحكم الرجل في أصول زوجته وممتلكاتها بدون إرادتها).


كما يوصى الباحثون بتوفير خدمة التحقق الفوري الذكي من صحة المعلومات الدينية المتداولة والتي قد يستخدمها المُعنف لتبرير العنف. كذلك يوصي الباحثون بأن يبرز تصميم التقنية الوسائل التي بها حفظ الإسلام حقوق المرأة. على سبيل المثال، أحد الجوانب الهامة في الزواج الإسلامي هو عقد الزواج، حيث تعتبر بنود عقد الزواج مساحة مشروعة يمكن للمرأة أن توثق فيها شروطها مثل مواصلة تعليمها وحياتها المهنية ، ومنع تعدد الزوجات. و لا يمكن المضي في الزواج إلا بعد موافقة الزوج المحتمل على بنودها وإعلانها لشاهدين على الأقل لمحاسبة الزوج.


ولأن أحد مخاوف المعنفات تكمن في العواقب التي قد يواجهنها عند مقاومة هذا العنف، يرى الباحثون أن للتقنية دور مهم في تمكين النساء من توقع عواقب النزاع بشكل استباقي، عبر تمكينهن من المشاركة الآمنة وطلب مشورة الخبراء المتخصصين في سرية تامة. كما تمكن التقنية من أرشفة أراء الخبراء القانونيين في ممارسات معينة بناء على الموقع الجيوغرافي والقواعد المجتمعية في تلك المنطقة، مثل ما يجب تضمينه في عقود الزواج والفجوات في العقود السابقة التي يجب معالجتها وفقًا لمعتقدات المجتمع، وتوقع التغيرات المستقبلية (على سبيل المثال ، السماح بالقيادة هو بند خاص بالنساء بدأ التصريح به بعد رفع الحظر عن القيادة في السعودية). يُتوقع أن يفيد مستودع المعلومات هذا ضحايا العنف الأسري وذويهن، وكذلك توعية المعنفين بعواقب سلوكهم.



القيم المجتمعية


من القيم التي تحظى بتقدير كبير في السياق السعودي الترابط الاجتماعي و الحفاظ على الانسجام والاحترام داخل البنية الاجتماعية (أي الأسرة ، المجتمع ، البلد). حيث تُحاسِب الجماعة الأفراد على أفعالهم، وفي المقابل، تقدم لهم التضامن والفرص والدعم.


من منطلق القيم المجتمعية، يقترح الباحثون توفير منصة إلكترونية آمنة لسرد القصص حيث يتم مبادلة القصص الشخصية والحلول، وربط المعنفات بالمصادر المساندة المحلية وسبل المساعدة. على عكس تويتر والذي تستخدمه الكثير من المعنفات حاليا لنشر قصصهن والذي قد يعرضهن للخطر، قد تساهم المنصات الافتراضية المتخصصة في تنظيم العمل الجماعي وحماية المعنفات عبر منحهن خيار المشاركة بهوية مجهولة للحفاظ على سلامتهن. كما يمكن للتقنية أن تساعد المعنفات في تشجيع الاستعداد والتخطيط الاستباقي عبر الاستفادة من الدعم المجتمعي. مثلا، يمكن أن تحدد المعنفة في هذه المنصات قائمة محارمها والذين يمكن أن يقدموا لها الدعم او يكون احدهم الوصي القانوني الذي تختاره ، وتزويد المعنفة بالوسائل القانونية اللازمة.



الصبر والتحمل


أظهرت قصص المشاركات صبراً شديدآ في تحديد كيفية التعامل مع العنف. تحلت المعنفات بالصبر أثناء العمل من أجل التطوير الوظيفي، وأثناء الاعتداءات الجسدية، والتعامل مع العقبات الاجتماعية والقانونية في الحصول على الطلاق. تلجأ المعنفات للصبر وفقاً لحسابات دقيقة تقمن بها حول الفرص والموارد والدعم الاجتماعي والقانوني المتوفر لهن، والتي تحدد متى يكون من الآمن المضي قدمًا. كما يكون الصبر اختياراً نابعاً من قناعات دينية أو اجتماعية كالحصول على الأجر الأخروي أو طاعة الوالدين. و على الرغم من أن الصبر ساعد المعنفات على اتخاذ قراراتٍ أكثرَ أمانًا، يمكن للمجتمع استخدام الصبر لإقناع النساء بالرضا عن النفس وتحمل الإساءة.


وكما تحلين النسوة بالصبر، تحلين بالمقاومة والتكيف، وتجلى ذلك في احترامهن لذاتهن ومهاراتهن و قدرتهن على اتخاذ إجراءات لإنهاء العنف. من هذا المنطلق، قد تساعد التقنية في بناء نظام تفاعلي ذكي مخصص يقدم للمعنفة ما تحتاجه من موارد وخدمات وذلك بعد تحليل احتياجها ومخاوفها وحالة العنف الذي تتعرض إليه. الغرض من التخصيص هو تزويد المعنفات بخيارات متعددة دون إجبارهن باتباع نهج واحد. على سبيل المثال ، إذا كانت المرأة تسعى للحصول على الدعم المعنوي ولا يمكنها القيادة أو مغادرة منزلها ، فسيوفر النظام مصادر الدعم المناسبة مثل مجموعات الدعم الافتراضية. ولدعم قيمة الصبر والمقاومة والتكيف يمكن توفير محتويات دينية ، وتحسين الذات ، والمعرفة القانونية ، والخدمات الموثوقة (مثل المعالجين النفسيين ، ومجموعات الدعم المحلية). وأخيرا، يساعد كذلك تضمين الخدمات المالية الصغيرة في التقنيات المتعلقة بالعنف المنزلي ومنصات الشبكات الاجتماعية لتوفير أو استثمار الأموال بعيدًا عن وصول المعنف.



خاتمة


في هذه الدراسة، شارك الباحثون في خلق تصور وفهم للعنف المنزلي الموجه للنساء السعوديات. كما سلط الضوء على كيفية تعامل النساء مع هذا العنف، ودور التقنية في تخفيف معاناة المعنفات. على الأغلب، لايكون لدى المرأة السعودية المعنفة في مواجهة العنف خيار سوى الصبر والتحمل والتكيف مع وضعها. كما تستخدم النساء السعوديات وساطة أفراد الأسرة وقادة المجتمع والخدمات المهنية للتصالح مع المعتدي أو لإبعاده عن الموقف. تستخدم المعنفات التقنية بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي للبقاء على اطلاع دائم بالقوانين واللوائح و للبقاء على اطلاع على الحقوق القانونية كاستراتيجية للتكيف مع وضعها تحت العنف. بناءً على النتائج التي توصل إليها الباحثون ، تم اقتراح سلسلة من اعتبارات التصميم والمستوحاة من القيم السعودية لتطوير تقنية تمكن المرأة المعنفة من تحسين جودة حياتها.

375 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page